في رابع يوم وفاته… من يشتري منزل “الفريق علاء” رئيس محكمة الشرطة في نينوى السابق ليسدد فواتير نزاهته وعمليته؟

بقلم الصحفي الموصلي جمال البدراني
في هذا البلد، النزاهة تُكلّف أكثر مما تتخيل. وتكون الفاتورة أحيانًا ثقيلة، لا على صاحبها فحسب، بل على من بقي خلفه يسددها، بيتًا بعد بيت… وذكرى بعد ذكرى.

في رابع يوم من رحيل الفريق علاء خضر إلياس، رئيس محكمة الشرطة في نينوى السابق، تعرض عائلته منزله للبيع. ليس طمعًا ولا استثمارًا،ولا تقاسماً لورث ، بل لتسديد ديون مستشفى، و”فواتير عملية” انتهت بجنازة. لم يعرف الرجل كيف يسرق، ولم يترك لنفسه طريقًا سوى خدمة الدولة، أربعون عامًا من الالتزام والانضباط، لكن الدولة التي خدمها لم تردّ له الدين في أيامه الأخيرة، ولا حتى في موته.

كان الفريق علاء أحد أبناء الموصل المعروفين، شغل منصبًا رفيعًا، لكن بلا ضجيج، وبلا ملفات، ولا مكاتب “اقتصادية”. دخل كلية الشرطة عام 1983، وتخرّج منها في دورة 37، ثم تقاعد عام 2023، وهو نظيف اليد والقلب. عاش كما يعيش الشرفاء، ومات كما يموتون: بألم صامت، لا يسمعه إلا القريبون.

ثماني شدات… أو ما يعادل 80 ألف دولار، هو ما بذمّة العائلة، استدانتها من بعض الخيرين والجيران حصيلة رحلة علاج طويلة بدأت بعملية استئصال مرارة في تشرين الأول الماضي، ثم مضاعفات أودت بكبده، وكُتب عليه أن يبدأ رحلة التيه بين مستشفيات الموصل ودهوك، وتركيا، حيث كان يبحث عن العلاج، ولم يعلم أن ما سيجده هناك هو المماطلة، والابتزاز، واحتجاز جواز السفر، وحتى التهديد بعدم تسليم جثمانه ما لم يتم دفع الفاتورة الأخيرة.

رغم الألم، لم تنكسر عائلته. واحد من أبنائه تبرع بجزء من كبده ليبقي والده حيًا، ولو لأيام أخرى. لكن الجسد المنهك لم يصمد، وفارق الحياة يوم الجمعة، 9 أيار. أما المستشفى في تركيا فطالبت بمبالغ إضافية لتسليم الجثمان، وهددت بدفنه هناك إن لم تُدفع.

اليوم، يعرض أولاد الفريق علاء بيت العائلة للبيع، كي يسددوا ديونه، لا ديون عبث أو رفاه… بل ديون نزاهته. حياؤهم منعهم من طلب المساعدة، لكن دموع الجيران وأصدقاء المهنة كانت أصدق من الكلمات ورفضوا بيع المنزل .

أكتب هذا المقال نيابة عن كل من عرف الفريق علاء، وأضعه أمام أنظار دولة رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، وكل مسؤول شريف. ليروا كيف تموت النزاهة في بلدها، وكيف تباع بيوتها لتغطية فواتير صدقِها.

لم يمت الفريق علاء من العملية… بل من قلة الوفاء.
فمن يشتري بيته… ليسدد فواتير نزاهته؟

Leave a Comment