موصل تايم

في خضم الترقب الشعبي والسياسي لما ستؤول إليه نتائج الانتخابات العامة، حذّر الخبير في الشأن الانتخابي طالب الخزرجي من خطأ واسع الوقوع ارتكبته أغلب القوائم والمرشحين، يتمثل في تجاهل تأثير “البطاقات الباطلة” على النتائج النهائية، مشيراً إلى أن هذا العامل قد يقلب موازين التوقعات ويبدّل ترتيب القوائم، لا سيما تلك التي بنت آمالها على نسب التصويت الخاص.

ويرى الخزرجي بحديثه لـ”موصل تايم”، أن كثيراً من المرشحين تعاملوا مع الأرقام التي وردتهم من مراقبيهم في التصويت الخاص على أنها نتائج حاسمة، دون أن يدركوا أن جزءاً كبيراً منها قد يُستبعد لاحقاً بسبب الأخطاء الفنية أو المقصودة التي يقع فيها الناخبون أثناء عملية الاقتراع. ويقول إن “الكثير من القوائم تعاملت مع الأرقام وكأنها محسومة، دون إدراك أن هذه الأرقام قد تنخفض بشكل كبير بسبب ما يُسمى بالبطاقات الباطلة”.

ويضيف أن “البطاقات الباطلة ليست تفصيلاً فنياً بسيطاً، بل عاملاً حاسماً يمكن أن يُغيّر النتائج في بعض الدوائر الانتخابية”، لافتاً إلى أن تجربة انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023 في ديالى أظهرت وجود أكثر من سبعة آلاف بطاقة باطلة تم استبعادها من إجمالي الأصوات، بسبب أخطاء مثل التصويت لأكثر من مرشح أو أكثر من قائمة. ويشير إلى أن “البعض من الناخبين يتعمدون إبطال ورقتهم كنوع من الاحتجاج الصامت أو كطريقة لإخفاء موقفهم الحقيقي من المقاطعة، بينما يقع آخرون في الخطأ بسبب ضعف الوعي الانتخابي أو غياب الإرشاد داخل المراكز”.

تحليل هذه الظاهرة يُظهر أن نسبة البطاقات الباطلة قد تكون المؤشر الأكثر تعبيراً عن المزاج الشعبي الصامت، فالإبطال هنا لا يعني اللامبالاة، بل في بعض الأحيان رفضاً للنظام السياسي أو لخيارات المرشحين المعروضين أمام الناخب. ويرى الخزرجي أن “الكثير من الناخبين يشاركون في الانتخابات من باب الالتزام الاجتماعي أو الوظيفي، لكنهم يختارون إبطال ورقتهم لأنهم لا يجدون من يستحق صوتهم”، مبيناً أن هذه الحالة “تنتشر خصوصاً في المناطق التي تشهد انقساماً سياسياً أو ضعفاً في الثقة بين المواطن وممثليه”.

وتكشف دراسات سابقة أن نسبة الإبطال في العراق عادة ما ترتفع في المحافظات ذات التنافس الحاد أو الإحباط الشعبي المرتفع، ما يجعل هذه الأصوات المهدورة مرآة غير مباشرة لمدى الرضا العام عن العملية السياسية. ويحذّر الخزرجي من أن “الأرقام الأولية التي يتداولها المرشحون اليوم لا تعكس الصورة النهائية، لأن احتساب البطاقات الباطلة سيغيّر حتماً من النتائج الميدانية”، موضحاً أن “المرشحين الذين حصلوا على أرقام مرتفعة في التصويت الخاص قد يتفاجأون بتراجع ترتيبهم بعد فرز الأصوات العامة واستبعاد الأوراق غير الصالحة”.

ويشير إلى أن “بعض القوائم اعتمدت على تقديرات غير دقيقة، دون مراعاة للفارق بين التصويت الخاص والعام، ودون حساب احتمال الخطأ أو الإبطال المتعمّد”، لافتاً إلى أن “التسرّع في إعلان النصر قبل اكتمال عملية العدّ والفرز يُعد خطأً سياسياً ومهنياً”. وتُعد ظاهرة البطاقات الباطلة من الملفات المزمنة في كل دورة انتخابية عراقية، وغالباً ما ترتبط بضعف الوعي الانتخابي أو تعقيد ورقة الاقتراع التي تحتوي على رموز وأرقام يصعب على كثير من الناخبين تمييزها. وفي انتخابات 2018 مثلاً، تجاوزت نسبة البطاقات الباطلة 4% من مجموع الأصوات في بعض الدوائر، وهي نسبة كافية لتغيير نتيجة مقعد أو مقعدين في مناطق متقاربة التنافس.

ويرى محللون أن إدارة الوعي الانتخابي لا تقل أهمية عن إدارة الأمن الانتخابي، فالتحدي الحقيقي لا يكمن في تأمين المراكز، بل في ضمان أن يصوّت المواطن بوعي كامل وأن تُحتسب كل ورقة كما أراد صاحبها. ويختتم الخزرجي تصريحه بالقول إن “التروي والانتباه واجبان قبل إعلان أي فوز”، مؤكداً أن “الانتخابات لا تُقاس بعدد المشاركين فقط، بل بدقة الأصوات المحتسبة وصحة الإجراءات المتبعة”.

ويضيف أن “البطاقات الباطلة، رغم كونها أصوات غير محسوبة، تحمل دلالة سياسية يجب أن تُقرأ بعناية، لأنها تمثل موقفاً من النظام السياسي أكثر مما تمثل خطأً فنياً”. ويرى مراقبون أن الارتفاع المحتمل في عدد البطاقات الباطلة لا يمكن قراءته بوصفه مجرد خلل فني في إجراءات التصويت، بل هو في جوهره تعبير سياسي عن أزمة الثقة بين المواطن والنظام الحاكم. فالكثير من العراقيين الذين يدخلون مراكز الاقتراع ثم يختارون عمداً إبطال ورقتهم، لا يفعلون ذلك بدافع الجهل، بل كردّ صامت على نظامٍ سياسي لم يمنحهم شعوراً بالتمثيل أو العدالة.

وتُظهر هذه الفئة من الناخبين أن المشاركة الشكلية لا تعني بالضرورة الرضا، وأن الإبطال أصبح شكلاً جديداً من أشكال الاحتجاج الديمقراطي داخل النظام نفسه، حيث يُستخدم الصندوق كأداة للاعتراض لا للاختيار. ومن هنا، تصبح قراءة البطاقات الباطلة ضرورة سياسية لفهم اتجاهات الرأي العام، لا مجرد عملية حسابية في سجلات المفوضية.

وفي المحصلة، نجاح العملية الانتخابية لا يُقاس بنسبة المشاركة فقط، بل بمدى صدقها في تمثيل الإرادة الشعبية، لأن كل بطاقة باطلة – سواء كانت ناتجة عن خطأ أو عن وعي – هي رسالة من مواطن لم يجد في الورقة الانتخابية من يمثّله حقاً.

Leave a Comment