موصل تايم

مع إغلاق صناديق الاقتراع في عموم البلاد، بدا اليوم الانتخابي في العراق أقرب إلى مشهدٍ متوازن بين التنظيم الدقيق والإرباك المحدود، وسط حضور أمني محكم وتدفقٍ متدرجٍ للناخبين إلى مراكز التصويت. ووفقاً للتقرير الميداني الذي أعدّه المراقب السياسي محمد نعناع، فقد سارت العملية الانتخابية بسلاسة وانتظام تجاوزت نسبتهما تسعين بالمئة، دون تسجيل خروقات كبيرة أو أحداث تُخلّ بمسارها العام، فيما وُصفت إجراءات التأمين بأنها جيدة جداً ومنسّقة بين مختلف الأجهزة الأمنية.

يشير نعناع في تقييمه الأولي إلى أن الاستقرار الأمني كان العامل الأبرز في نجاح يوم التصويت، إذ حافظت القطعات المنتشرة في العاصمة والمحافظات على انسيابية الحركة داخل محيط المراكز الانتخابية، ولم تُسجّل سوى مخالفات محدودة تمثلت بتوزيع مبالغ مالية من قبل بعض المرشحين وأفراد حملاتهم لاستمالة الناخبين، في تكرارٍ لظاهرة “المال السياسي” التي ما زالت ترافق المشهد الانتخابي العراقي رغم التشديدات القانونية.

كما رُصدت توقفات فنية مؤقتة في أجهزة البصمة وبقية الأنظمة الإلكترونية في عدد من المحافظات، ما تسبب بتأخير محدود داخل بعض المراكز قبل أن تتمكن الفرق الفنية من معالجتها سريعاً. وأشار التقرير أيضاً إلى ضغوط ومضايقات مارسها وكلاء الكيانات السياسية ومراقبوها على موظفي المفوضية وبعض الناخبين، إلى جانب تسجيل خطابات وتحريضات طائفية وشعبوية تحث على المشاركة بطرق غير قانونية وغير لائقة.

وفي السياق ذاته، أصدر تحالف الشبكات والمنظمات الوطنية لمراقبة الانتخابات في العراق، في تمام الساعة الخامسة والنصف من مساء اليوم الثلاثاء (11 تشرين الثاني 2025)، تقريرا تضمن رصداً ميدانياً لمجموعة من المخالفات والملاحظات.

وسجل تقرير فرقهم الميدانية المنتشرة في عموم المحافظات ما يلي:

(53) حالة عنف، تضمنت مشادات أو إطلاق نار في بعض المراكز.

(89) حالة دعاية انتخابية داخل مراكز ومحطات الاقتراع.

(228) حالة ترويج من وكلاء المرشحين داخل المراكز الانتخابية.

(120) حالة تأخير في فتح المحطات الانتخابية.

(20) حالة تدخل من عناصر الأجهزة الحكومية في محطات الاقتراع.

(69) حالة تصوير أوراق الاقتراع.

مخالفات أخرى شملت شراء أصوات ومضايقات لموظفي المفوضية.

وأشار التحالف إلى أن هذه الملاحظات لا تؤثر بشكل عام على سير العملية الانتخابية، لكنها تؤشر إلى ثغرات متكررة تتطلب معالجة فورية وضمانات إضافية لنزاهة النتائج.

وفي التطورات ذاتها، أعلن المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، أن نسبة المشاركة في التصويت العام والخاص لانتخابات مجلس النواب لعام 2025 بلغت 45%، موضحاً أن النسبة شملت مجموع المصوتين في عموم المحافظات العراقية.

ورغم هذه الملاحظات، فإن الانتخابات الحالية تنفرد بكونها تجري في ظل جدلٍ دستوري صريح أثاره رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي فائق زيدان، الذي اعتبر موعد الحادي عشر من تشرين الثاني “مخالفةً للدستور”، مشيراً إلى أن التاريخ الصحيح لإجراء الاقتراع هو الرابع والعشرون من الشهر ذاته، انسجاماً مع المادة (56) التي تحدد المدة الكاملة للدورة النيابية بأربع سنوات تقويمية. وقد أثار هذا التصريح قبيل ساعات من التصويت نقاشاً واسعاً حول مدى شرعية التوقيت.

هذا التباين القانوني بين المؤسستين – القضائية والتنفيذية – ألقى بظلاله على المشهد الانتخابي برمته، إذ أضاف بعداً من الالتباس الدستوري إلى يومٍ كان يُفترض أن يكون استحقاقاً ديمقراطياً محضاً. فبين من يرى أن الشرعية تكمن في النصوص، ومن يعتقد أنها في الإرادة الشعبية، مضى الناخب العراقي اليوم إلى صناديق الاقتراع حاملاً أسئلته القديمة ذاتها: هل يمكن للديمقراطية أن تترسخ في بيئةٍ ما زالت تتنازعها المصالح، أم أن الانتخابات ستظل تدور في فلك التوافقات والصفقات؟

ومع انتهاء التصويت، يبرز الانطباع العام بأن البلاد اجتازت اختباراً أمنياً وإدارياً صعباً، لكن الاختبار الحقيقي يبدأ الآن، في كيفية قراءة النتائج وإدارة ما بعدها، حين تتقاطع الحسابات السياسية مع الطعون القانونية، وتبدأ معركة الشرعية من جديد، لا في صناديق الاقتراع، بل في تفسير ما تعنيه إرادة الشعب فعلاً داخل نصٍ دستوريٍ قابلٍ للتأويل.

Leave a Comment