في قلب مدينة الموصل القديمة ، في منطقة تُسمى (تلة ريمة) ، تقف الألعاب الحديدية البدائية بفخر، محاطة بضحكات الأطفال وصخب الحياة. هي ألعاب بدائية قد تظهر متواضعة في عيون الكثيرين، لكنها تحمل قيمة لا تقدر بثمن بالنسبة لأطفال المناطق الشعبية الذين يجدون فيها متنفساً ومتعة بسيطة، بعيدة عن تقنيات العصر الحديث.

مرتادو هذه الألعاب البدائية في ايام العيد هم من البسطاء والفقراء، الذين يستمتعون باللحظات البسيطة والمرحة التي توفرها هذه الألعاب. فهي تعكس الروح القوية والمتواضعة لأهل المدينة، الذين يستمرون في الاستمتاع بالحياة رغم التحديات الاقتصادية التي تواجههم.

بابتسامة عريضة وهو يداعبه عن بعد وهو يجلس على (بلوكة) ويتابع محمد رشيد 29 عاماً ،يتابع على مقربة من مرجوحة حديدية يسميها اهالي الموصل (الديدية) ولده (تيم) خمسة اعوام وهو يصرخ ليصل صوته بين صخب الالعاب وأهازيج الاطفال “امسك مليح تيم” يعني “تمسك جبداً بالمرجوحة”

ويقول رشيد عن اسباب توجهه لهذه الالعاب البدائية ” انا عامل في سوق للخضار اعمل على عربة لبيع الخضار واجري اليومي لا يتجاوز العشرة الاف فلن استطيع ان اذهب بابني الى مطاعم او العاب فارهة تكلفني الكثير وهذا الشيء لا اتمكن عليه”

ويضيف رشيد ” هذا المكان تعودت عليه منذ الصغر حيث كان والدي يصطحبني اليه في الاعياد وكان يروي لي ايضا ان جدي كان يصطحبه ايضا عندما كان صغيراً”

الموصل القديمة، والتي تأثرت بشكل كبير من الحرب على داعش، تعاني من الكثير من التحديات الاقتصادية. ولكن، بالرغم من تلك الظروف الصعبة، مازالت الحياة تنتعش في تلة ريمة، حيث يتجمع الأطفال كل يوم من ايام العيد للعب والضحك والاستمتاع بتلك الألعاب الحديدية البدائية.

“رغم الحداثة والتطور التكنولوجيا، فإن البساطة والصفاء الذين يوفرهم هذا المكان ليس لهما مثيل. هو مكان يذكرنا بأن السعادة تكمن في الأشياء البسيطة، وأن الإنسان قادر على الاستمرار والازدهار رغم الظروف الصعبة” يقول بشار حميد 33 عاماً يبيع الايس كريم من الصناعة اليدوية وليست المستوردة في تلة ريمة ويضيف ” في ايام العيد استرزق من هذا المكان لابيع للاطفال من اولاد البسطاء والفقراء “

ينظر لوهلة الى الالعاب ثم يقول “مذ دخلت الحداثة والتكنلوجيا علينا والحياة اصبحت صعبة ، هكذا الحياة على طبيعتها وبساطتها افضل ” ثم يدفع بعربة بثلاث عجلات وهو ينادي بصوت عالٍ ” تعال على الموطا وين اهل العيد “

تقع منطقة تلة ريمة في باب الجديد بالموصل القديمة، وهي منطقة تتميز بوجود الألعاب الحديدية البدائية يتم نصبها فقط في ايام العيد والتي تعد ملاذاً للبسطاء والفقراء في ايام العيد . رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الكثير من سكان المدينة، إلا أنهم يجدون في هذه الألعاب البسيطة فرصة للترفيه عن أنفسهم وأطفالهم.

تعتبر هذه الألعاب البدائية من الروافد الشعبية للمدينة، فهي تحمل في طياتها تراثاً عريقاً يعود إلى العصور القديمة. بالرغم من بساطتها، إلا أنها تعكس الحياة اليومية والعادات والتقاليد لأهالي المدينة.

استاذ التاريخ المتمرس الدكتور ابراهيم العلاف يقول عن تاريخ “تلة ريمة” انه ” منذ 100 سنة والموصليون واطفالهم يستذكرون (تلة ريمه ) وهناك من يسميها (تل كريما ) وهناك قصصا وحكايا وحواديت عن (تلة ريمه ) ريمه المرأة الطيبة التي كانت تُسعد الاطفال في العصور السالفة”

ويضيف العلاف “الحديث هنا عن الاطفال اطفال الموصل اطفال باب جديد وما يجاورها يلعبون ويتضاحكون في تلة ريما يتحدثون عن مراجيحها (ديدياتها ) وعن نواعيرها كما كان آباءهم واجدادهم يتحدثون عنها “

ويتابع العلاف الذي لديه مدونة يكتب فيها عن تاريخ الموصل “ان الموصل مسكونة بالتاريخ ولو استرجعت ونشرت صورة وهي عندي عن تلة ريما لما وجدتم اختلافا بين صورة اليوم واقصد اليوم الثالث من العيد وصورة تلة ريمه في العشرينات من القرن الماضي …إنه تاريخنا مصدر فخرنا واستمراريتنا في الحياة هذه التي يريد اعداء الحياة والجهلة ان يفصلوننا عنها”

الألعاب الحديدية البدائية في تلة ريمة توفر لاطفال البسطاء بيئة ممتعة تساعدهم على التعبير عن أنفسهم والتفاعل مع الآخرين. وللكبار، تعتبر هذه الألعاب ذكرى لأيام الطفولة السعيدة، حيث البساطة والفرح.

لم تتغير هذه الألعاب كثيراً على مر السنين، ما يجعلها تحمل قيمة تراثية خاصة. ورغم بساطتها وقدمها، فإنها مازالت تلقى رواجاً واسعاً بين السكان المحليين، الذين يرغبون في زرع الابتسامة على وجوه أطفالهم وتوفير بيئة ترفيهية بسيطة ومرحة بالنسبة لهم.

12 أبريل، 2024

Leave a Comment